د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
إنَّ مشاعر الخوف المَرَضِي من الإسلام -أو ما يُعرف بـ"الإسلاموفوبيا"- يمكننا إضافتها إلى الأسباب الداعمة لرؤيتنا بأنَّ العالم -بأفكاره الحاليَّة-
مفهوم "الإسلاموفوبيا"
إنَّ مشاعر الخوف المَرَضِي من الإسلام -أو ما يُعرف بـ"الإسلاموفوبيا"- يمكننا إضافتها إلى الأسباب الداعمة لرؤيتنا بأنَّ العالم -بأفكاره الحاليَّة- يَتَّجه إلى المزيد من الصراع والشقاق، الذي يَتَّجِه به لا محالة إلى هاويةٍ محقَّقة.. وكلمة "إسلاموفوبيا" -المنقولة عن اللغات الأجنبيَّة هكذا بلفظها اللاتيني مكتوبًا بحروفٍ عربيَّة- تنطوي على معنى أنَّها ظاهرةٌ مَرَضِيَّة، فهو خوفٌ مَرَضِيٌّ من الإسلام، لا يُوجد ما يُسَوِّغه منطقيًّا، ولا يقتصر على حالاتٍ فرديَّة، بل يعمُّ وينتشر؛ فهو أشبه بالوباء مع فارقٍ أساسي، أنَّ الوباء ينتشر "رغمًا" عن الإنسان الذي يسعى لمكافحته، فإن لم يتراجع يُضاعِف الإنسان السويُّ جهوده، ويبتكر المزيد من وسائل المكافحة.
أمَّا الخوف المرضي من الإسلام فلم يَعُدْ مجرَّد خوف تلقائي لأسبابٍ ما، بل أصبح في هذه الأثناء يُصنع صنعًا؛ أي: أصبح ناتجَ عمليَّةِ تخويف، ليُستخدم أداة من أجل تحقيق أغراض محدَّدَة، وهنا تجد هذه "الأداة" مَنْ يُرَكِّز عليها استغلالًا لها لتحقيق أغراضه، فإنْ رَصَدَ ضعفًا ذاتيًّا في مفعول الظاهرة بذل الجهد بنفسه لزيادة مفعولها؛ أي: لمضاعفة حِدَّة الجانب المـَرَضِي فيها، وهو يزعم أنَّه يشكو منها ويُريد مكافحتها.
وللأسف نجد هذا الأمر في أوربَّا اليوم من خلال ما يُطلقونه من مصطلحات تُسَبِّب النفور والقلاقل بين الناس، لا سيَّما مصطلح "الإسلاموفوبيا"؛ الذي يُعَرِّف الإسلام على أنَّه دينٌ إرهابيٌّ دموي، فهو الخطر الأخضر -كما يزعم بعضهم- والجدول التالي يرصد عدد مرَّات ظهور المصطلح في بعض أكثر الجرائد الإنجليزيَّة والكنديَّة والأميركيَّة شهرةً ونفوذًا؛ اعتمادًا على دائرة البحث الإلكترونيَّة الأميركيَّة Lexis Nexis[1]:
الجريدة | 2001 | 2002 | 2003 | 2004 | 2005 | 2006 |
تايمز (بريطانية) | 12 | 12 | 13 | 34 | 44 | 92 |
جارديان (بريطانية) | 14 | 29 | 20 | 50 | 44 | 38 |
إندبندنت (بريطانية) | 22 | 15 | 11 | 37 | 42 | 30 |
تورنتو ستار (كندية) | 3 | 3 | 1 | 11 | 18 | 38 |
نيويورك تايمز (أميركية) | 2 | 2 | 3 | 7 | 4 | 10 |
واشنطن بوست (أميركية) | 2 | 3 | 2 | 2 | 5 | 5 |
عدد مرات ظهور مصطلح الإسلامو فوبيا في بعض أكثر الجرائد الإنجليزية والكندية والأميركية |
وهنا لا مفرَّ من طرح هذا التساؤل: لماذا ينظر الغرب هذه النظرة للإسلام؟!
أسباب "الإسلاموفوبيا"
وبعد بحثٍ متعمِّقٍ وجدنا أنَّ هذه النظرة الغربيَّة المتوجِّسة من الإسلام تعود إلى العديد من النقاط التي يُمكننا حصر أهمِّها فيما يلي:
أوَّلًا: مسألة عقديَّة.. خاصَّةً مع الصحوة الدينيَّة:
إذ كما يجب على المسلم بحكم عقيدته أن يَذُبَّ عن دينه، ويدفع عنه أيَّ خطرٍ محتمل، كذلك المسيحي يرصد بعين القلق الصحوة الإسلاميَّة العارمة التي تجتاح العالم الإسلامي، ويخشى أن يأتي اليوم الذي تَتَهَدَّده هذه الصحوة، وقد حذَّر السير ألفريد شيرمان -المستشار السابق لرئيسة الوزراء البريطانيَّة السابقة مارجريت تاتشر- في تصريحٍ لجريدة الهيرالد تريبيون إنترناشيونال في 9 فبراير 1993م، من التهديد الإسلامي للغرب، في مقالة بعنوان: "الزحف الإسلامي الجديد على أوربَّا"؛ قائلًا:
"يُوجد تهديدٌ إسلاميٌّ حيال أوربَّا المسيحيَّة، هذا التهديد يتطوَّر ببطء، وما زال قابلًا للمراقبة، لكن سياسات البلدان الغربيَّة هي المسئولة عن تصاعده نتيجة الشروط الملائمة التي تُوَفِّرها وتُساعده على اتِّساعه؛ فالاستعمار المتدرِّج لأوربَّا الوسطى والغربيَّة من جانب المسلمين ناتجٌ عن الحيرة الاجتماعيَّة والرُّوحية السائدة في أوربَّا، وانهيار القيم المسيحيَّة والغربيَّة"[2].
ثانيًّا: انهيار الاتحاد السوفيتي:
إنَّ انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991م -الذي يُعَدُّ بمثابة الإعلان عن الفوز الساحق لمعسكر الولايات المتحدة الأميركيَّة وحلفائها- جعل الغرب يبحث عن بديلٍ جديدٍ يُعاديه؛ وقد تواترت التصريحات الغربيَّة عن اختيار الإسلام كعدوٍّ جديدٍ بديلٍ عن الخطر الشيوعي، الذي طالما حشدوا طاقاتهم لمواجهته، ونذكر على سبيل المثال تصريح ويلي كلايس -الأمين العام السابق لحلف الأطلسي- لصحيفة الإندبندنت البريطانيَّة:
"إنَّ الخطر الذي يُشَكِّله الإسلاميُّون هو أهمُّ التحدِّيَّات التي تُواجه الغرب بعد تفكُّك الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكيَّة، وزوال خطر الشيوعيَّة"[3].
ثالثًا: أصحاب المصالح:
كما أنَّ بعض الكيانات العسكريَّة -بما يُخَصَّص لها من اعتماداتٍ ماليَّةٍ فلكية- لن تجد مُبَرِّرًا لوجودها إلَّا في وجود قوَّةٍ معادية، ومن هذه الكيانات حلف شمال الأطلسي، ونستدلُّ هنا بتصريح جاك بوميل (Jacques Baumel) –الوزير الفرنسي الأسبق، والعضو البرلماني، ونائب رئيس اللجنة الأولمبيَّة- بأن:
"الحلف الأطلسي بعد أن حُرِمَ من أعدائه لم يَعُدْ له المنطق نفسه لوجوده كما كان في السابق؛ فالحصن الذي كان يُمثِّله للغرب ضدَّ اعتداءٍ محتملٍ من الشرق أصبح اليوم بلا جدوى.... فلنُحَذِّر من القوس الشيطاني من الجزائر إلى باكستان، ومن الدول التي تستعدُّ لامتلاك أو صناعة أسلحة دمار شامل؛ بيولوجيَّة، وكيميائيَّة، ونوويَّة"[4].
وكذلك الجيش الأميركي وترسانته العملاقة التي تستقطع مئات المليارات من الدولارات كلَّ عامٍ من الخزانة الأميركيَّة؛ فقد بلغت مخصَّصَات وزارة الدفاع الأميركيَّة في ميزانية عام 2010م 663,8 مليار دولار[5]!!
رابعًا: الفارق الكبير في المستوى الاقتصادي:
تكفي مجرَّد نظرة على التقارير السنويَّة التي ترصد حالة الاقتصاد في العالم لاكتشاف ذلك التباين الرهيب والتفاوت الواضح في القدرات الاقتصاديَّة بين الدول الأوربيَّة والغربيَّة، وبين دول العالم الإسلامي بشكلٍ عامٍّ؛ ومن واقع البيانات الواردة في تقرير التنمية البشريَّة في العالم عام 2009م وجدنا ما يلي:
نصيب الفرد من الناتج الإجمالي في النرويج بلغ 82,5 ألف دولار، وفي أيرلندا بلغ 59 ألف دولار، وفي الدنمارك 57 ألف دولار، وفي السويد 50 ألف دولار، وفي هولندا 47 ألف دولار، وفي فرنسا 42 ألف دولار، وفي الولايات المتحدة الأميركية بلغ 45 ألف دولار، وفي كندا 40 ألف دولار، وفي إسبانيا بلغ 32 ألف دولار.
بينما في اليمن بلغ ألف دولار، وفي السودان 1,1 ألف دولار، وفي مصر 1,7 ألف دولار، وفي نيجيريا 1,8 ألف دولار، وفي أوزبكستان 830 دولار، وفي بنجلاديش 431 دولار، وفي جيبوتي 997 دولار، وفي توجو 380 دولار، وفي النيجر 294 دولار فقط[6]!!
هذا التفاوت الرهيب يُشعر الغرب برغبة هذه الدول الفقيرة في تحقيق مصالح ماليَّة بطرقٍ غير شرعيَّة، أو على الأقل تحقيق الإيذاء بدوافع الحقد الطبقي المعروفة.
خامسًا: الأنظمة الدكتاتوريَّة في العالم الإسلامي:
تأتي دول العالم الإسلامي في ذيل دول العالم من حيث تطبيق المبادئ الديمقراطيَّة واحترام الحريَّات العامَّة؛ إذ تحكم الغالبَ الأعم من دول العالم الإسلامي النظمُ الدكتاتوريَّة، وتخضع لحُكم الفرد؛ بما يجعل هذه الدول وكامل مُقَدَّراتها ملك يمين الحاكم؛ يُوَجِّهها كيف يشاء.. فإذا أراد السلام فهو السلام، وإذا أراد الحرب تكن الحرب؛ إذ إنَّ المجموعات المعاونة له تُختار بعنايةٍ لتكون أدوات لتنفيذ رغباته -ونزواته- وهذا مبعث للخوف بشكلٍ عامٍّ من إمكانيَّة تولِّي السلطة في هذه البلاد أحد الحكَّام الجانحين أو الراغبين في الزعامة، فيُعلن الحرب على جيرانه لأيِّ سببٍ تافه، بما يُهَدِّد السلام في العالم كلِّه.
ويأتي مصداقًا لكلامنا تقرير الحريَّة في العالم عام 2010م، الصادر عن منظمة دار الحريَّة في الولايات المتحدة الأميركيَّة؛ إذ كشف أنَّ جُلَّ دول العالم الإسلامي تُعتبر "غير حرَّة"؛ أي: تحكمها نظم دكتاتوريَّة على اختلاف درجة تسلُّطها.. ونضرب مثلًا بتقييم التقرير لمنطقة الشرق الأوسط والشمال الإفريقي؛ فنجد أنَّه وصف 14 دولة من إجمالي 18 دولة بأنَّها "غير حرَّة"، وثلاث دول من الأربعة المتبقية قال عنها: إنها تُعطي لأحزابها السياسيَّة هامشًا محدودًا من الحريَّة، وهي تركيا، ولبنان، وقبرص، بينما الدولة الوحيدة التي وصفها بالحريَّة هي للأسف دولة الكيان الصهيوني[7]! كما جاء في التقرير.
سادسًا: ظهور النزعات المتطرِّفة الحقيقيَّة:
حيث ظهرت في العقود الأخيرة -كردِّ فعلٍ للعديد من المظالم التي ارتكبها الاستعمار، ونال نصيب الأسد منها العالم الإسلامي- بعضُ الدعوات الاستئصاليَّة المتطرِّفة، التي تُنادي بتدمير العالم الغربي حفاظًا على الإسلام، ونجدها تجهر بالدعاء عليه بالهلاك! هكذا دون التفرقة بين المحاربين والمدنيِّين، وبين المنتفعين والمتربِّحين من نهب ثروات الدول الضعيفة في العالم وآخرين مُغَيَّبِين تحت وطأة إعلامٍ يَصُمُّ الآذان، ويقلب الحقائق، ويصف أبناء العالم الإسلامي بأشنع الصفات، ويُصَوِّرُهم مجموعةً بدائيَّةً من الهمج الأشرار.
وبالطبع نجد أصحاب المصالح يتلقَّفُون هذه الدعوات المتطرِّفَة -حتى وإن كانت صادرةً عن فردٍ واحدٍ أو مجموعةٍ هزيلة- ويعملون على تضخيمها ويبرزونها إعلاميًّا؛ فنجد تصريحات متواترة؛ هذه من مسئول التنظيم في بلاد الشام، وتلك منسوبةٌ لزعيم تنظيمٍ آخر في بلاد المغرب العربي، وأخرى على لسان "أمير" الجماعة في شرق أوربَّا[8]، وهكذا باستمرار حتى يتسرَّب الفزع إلى قلوب كلِّ أسرةٍ غربيَّةٍ من الخطر القادم من العالم الإسلامي لسحقهم؛ فيُسارعون بالارتماء في أحضان حكوماتهم ليُفَوِّضونها بالتصدِّي لهذا الخطر الداهم!
سابعًا: ارتفاع معدلات الهجرة إلى الغرب:
أصبح ارتفاع معدلات الهجرة إلى دول العالم الغربي –خاصَّةً من الدول الإسلاميَّة- يُشَكِّل هاجسًا لدى العديد من مؤسَّسات صُنع القرار في الغرب، وتَعَدَّدت الدراسات التي ترصد هذه الظاهرة وتُنَبِّه من "خطورتها" على التركيبة السكَّانيَّة خاصَّةً في أوربَّا؛ فقد ذكرت دراسة أجرتها صحيفة الصنداي تليجراف البريطانيَّة أنَّ المسلمين شَكَّلُوا في عام 2008م نسبة 5 % من سكَّان دول الاتحاد الأوربِّي الـ(27)، وأضافت الدراسة أنَّ ارتفاع معدَّلات المهاجرين من الدول الإسلاميَّة، وتَدَنِّي معدلات المواليد بين الأوربيِّين سيجعل هذه النسبة تقفز إلى 20% مع حلول عام 2050م[9].
كما رصد مركز "بيو" الأميركي المتخصِّص في أبحاث الدين والسكَّان في العالم أنَّ الإسلام هو الدين الأسرع نموًّا في أوربَّا؛ حيث تضاعف عدد المسلمين في القارة الأوربيَّة ثلاث مرَّات خلال السنوات الـ(30) الماضية، وأرجع المركز ذلك إلى ارتفاع معدلات الهجرة، بالإضافة إلى زيادة أعداد المواليد في الأسر المسلمة المهاجرة[10].
ثامنًا: النمو السكاني في العالم الإسلامي:
فقد بلغ عدد المسلمين في العالم 1,57 مليار نسمة في عام 2009م[11]، بما يُقَارب ربع سكان العالم.. وتفيد الدراسات المتكرِّرة أنَّ الإسلام هو الدين الذي يُحَقِّق أكبر نموٍّ سكاني في العالم، مقارنةً بأيٍّ من الأديان أو التيَّارات العقائديَّة الكبرى، وذلك بعد أن كان الإسلام يحتلُّ المرتبة الأخيرة على العالم من حيث عدد الأتباع بين الديانات والعقائد الأخرى في عام 1980م، والجدول التالي يُوَضِّح معدل النمو السكاني في العالم الإسلامي مقارنةً بكبرى الديانات والعقائد في العالم[12]:
الأديان والعقائد الكبرى | 1980 | 1985 | 2000 | 2025 |
اليهودية والمسيحية | 1385 | 1463 | 1703 | 2061 |
العقائد الصينية | 1003 | 1063 | 1256 | 1460 |
الإسلام | 800 | 857 | 1429 | 2503 |
سكان العالم | 4453 | 4842 | 6127 | 8177 |
معدل النمو السكاني في العالم الإسلامي مقارنة بكبرى الديانات والعقائد في العالم |
تاسعًا: تاريخ العداء القديم بين الغرب والإسلام:
فالغرب لا يستطيع أن ينسى تاريخه الدامي مع المسلمين، وكذلك لا يُمكننا أن نعتب على المسلمين مشاعر التوجُّس والارتياب من أيِّ تحرُّك أوربِّي تجاه العالم الإسلامي.. ويُمكننا أن نستشفَّ هذا العداء التاريخي للمسلمين من خلال أقوال الساسة وصُنَّاع القرار في الغرب؛ حيث يتبنَّى معظمهم فكرة الصدام المرتقب مع العالم الإسلامي، هذه الفكرة التي أصبحت إحدى النقاط المركزيَّة في استقراء تحوُّلات ما بعد الحرب الباردة.. ومن أمثلة هذه التصريحات الكاشفة مقولة ريتشارد نيكسون وزير الخارجيَّة الأميركي الأسبق:
"إنَّ بعض المراقبين يُنَبِّهُون إلى أنَّ عالم الإسلام سوف يتحوَّل إلى قوَّة جيو سياسيَّة[13] موحَّدة ومتعصبة، وأنَّه بسكَّانه المتزايد العدد، وقوَّته الماليَّة الكبيرة، سوف يُشَكِّل تحدِّيًا كبيرًا، وأنَّ الغرب سوف يضطرُّ إلى عقد تحالفٍ جديدٍ مع موسكو لمواجهة عالم إسلامي خصم عدواني"[14].
وكذلك العديد من المفكِّرين الاستراتيجيِّين الغربيِّين؛ مثل قول بول يالطا: "ونحن نوشك أن ندخل الألفيَّة الثالثة لدينا شعور بأنَّ المناخ يُؤَشِّر على المواجهة أكثر من التعايش بين العالم الإسلامي والحضارات التي تُحيط به"[15]، وبخاصة الحضارة الغربيَّة الأوربيَّة، فأوربَّا بسبب موقعها الجغرافي والاستراتيجي ستكون في مواجهةٍ جغرافيَّةٍ سياسيَّةٍ مع الإسلام من أطرافها الجنوبيَّة المتوسطيَّة، فلا يُمكن لنا من خلال مئات السنين من التاريخ المشترك تغييب هذه الحقائق أو إنكارها، ولا بُدَّ من أخذها بعين الاعتبار في جدليَّة المتغيِّرات المستقبليَّة الاقتصاديَّة والثقافيَّة والدينيَّة[16].
عاشرًا: اعتماد الحضارة الغربيَّة على موارد العالم الإسلامي:
ونختم تحليلنا لأسباب ظاهرة الخوف المرضي من الإسلام بنقطة غاية في الأهميَّة؛ وهي الكميَّات الضخمة من الكنوز والثروات -لا سيَّما البترول- التي يمتلكها العالم الإسلامي، التي تُعَدُّ من أهمِّ مصادر الطاقة والمواد الخام التي تقوم عليها الطفرة الصناعيَّة في العالم الغربي.
ونذكر هنا واقعة التهديد العربي بـ وقف تصدير النفط إلى الدول المؤيِّدة للكيان الصهيوني في حرب 1973م، بما شَكَّل تهديدًا استراتيجيًّا لمصالح الغرب[17]، ونتج عنها إحساس معادٍ للمسلمين من الدول الغربيَّة؛ حيث نظرت للأمر كنوعٍ من الابتزاز والتهديد، ولم تبحث كثيرًا وراء الأسباب التي دفعت العرب والمسلمين لاتخاذ هذا الموقف.
وطالما ظلَّ -وتزايد- الاحتياج الغربي للموارد الإسلاميَّة عنصرًا أساسيًّا لاستمرار النهضة الأوربيَّة والغربيَّة، سيظلُّ هاجس تأمين هذه الموارد -واحتكارها- وضمان تدفُّقها هاجسًا ملحًّا في عقل الشعوب الغربيَّة.
المصدر:
كتاب المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني.
[1] علاء بيومي: تقرير بعنوان "صعود الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية"، منشور على موقع الجزيرة الإخباري، على الرابط: http://aljazeera.net.
[2] Fred Halliday, "Les fondements de l'hostilité à l'islam" papier présenté à.
[3] أحمد منصور: حلف الأطلسي يُعلن الحرب على العالم الإسلامي، مجلة المجتمع، 28 مارس 1995م.
[4] Jacques Baumel, La France,L,OTAN et les Etats-Unis, Le Monde,1/4/1993,P.2.
[5] ميزانية الولايات المتحدة الأميركية لعام 2010م، الموقع الرسمي للبيت الأبيض الأميركي، على الرابط: www.whitehouse.gov/omb/budget/fy2010/assets/summary.pdf.
[6] تقرير التنمية البشرية في العالم عام 2009م، على الرابط: http://hdrstats.undp.org/en/indicators/indicators_table.cfm.
[7] تقرير الحرية في العالم 2010م، منظمة دار الحرية، الولايات المتحدة الأميركية، والتقرير متاح بصيغة Pdf على الرابط: www.freedomhouse.org/uploads/fiw10/FIW_2010_Tables_and_Graphs.pdf.
[8] نماذج من هذه التصريحات المتكررة، شبكة CNN الأميركيَّة، على الرابط: http://topics.edition.cnn.com/topics/terrorism.
[9] صحيفة صنداي تليجراف البريطانية، 11 أغسطس 2009م، على الرابط: www.telegraph.co.uk.
[10] مركز بيو لأبحاث الدين والسكان بواشنطن، على الرابط: http://pewforum.org.
[11] تقرير عن تعداد المسلمين في العالم عام 2009م، مركز بيو لأبحاث الدين والسكان بواشنطن، على الرابط: http://pewforum.org/uploadedfiles/Topics/Demographics/Muslimpopulation.pdf.
[12] J.B.Pichat,"Le Nombre des homes: Etats et prospective"dans:Jean Bernard.
[13] جيو سياسية؛ أي: جغرافية سياسية.
[14] ريتشارد نيكسون: أميركا والفرصة التاريخية، ص187.
[15] L,Islam dans, le monde,P.305.
[16] عبد الجليل التميمي: التسامح الإسلامي المسيحي، هل هي معادلة مستحيلة؟ ص10.
[17] 35 Years After the Arab Oil Embargo- 6/10/2008- Journal of Energy Security, www.ensec.org.
التعليقات
إرسال تعليقك